السبت، 10 أكتوبر 2009

لماذا أختار الرئيس بن علي؟


حسن عافي

تقتضي الإجابة عن سؤال لماذا اختار الرئيس بن علي سنة 2009 الخوض في عدة مسائل أساسية لعل أهمها ان الحركة السياسية للرئيس بن علي هي حركة تفاعلية منفتحة تتوخى أسلوبا حكيما ومنهجا واضحا في اتخاذ القرار. وهذا القرار سنده الاساسي سلطة الشعب من خلال المؤسسات الدستورية والهياكل المختصة في اطار سيرورة متعددة الأبعاد.
وهي مؤسسات عقلانية وحاضرة في مختلف مظاهر الحياة العامة من صحة وتعليم واقتصاد واعلام وثقافة وسياسة، مستفيدة في ذلك من عمق برامج الرئيس بن علي الاصلاحية، كمدخل لتطوير الاداء السياسي للدولة، وهي المرحلة التي يسرت بروز خطاب جديد ينزع عن الدولة بعدها السلطوي العنيف لتتحول الى سلطة مكرسة لحماية المواطنين وضمان رفاههم تمهيدا لبناء مجتمع الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان... ان الديمقراطية في فكر الرئيس بن علي تعتبراداة هامة وحافزا كبيرا للقيادة. هذه الاداة هي قدرة مؤسسات الدولة على القضاء على الفساد وعلى فرض قبول المساءلة وتحفيز المشاركة السياسية من خلال المناقشة الانتخابية وما تتطلبه من تجميع وحشد لاصوات الناخبين ومن خلال الانتخابات الديمقراطية التي تدفع الى التشاور واستطلاع آراء الشعب في عملية الحكم الصالح.
وبمرور الوقت سيؤدي هذا التأكيد على الحوار الشعبي العام والانشغال بالعمل العام والمشاركة فيه الى تنمية رأس المال الاجتماعي... ولاتقتصر فوائد المشاركة الديمقراطية في الحكم على النظام السياسي فقط ولكنها تعم ايضا القطاعات المتحددة ومختلف مستويات تطوير صنع السياسية. وتمت تعبئةجميع القوى الفاعلة في البلاد والسماح لها باجراء حوارات ديمقراطية صريحة. وبذلك أصبحت التوجهات السياسية للدولة شرعية ضمنت استدامتها بعد ان شعر الناس عامة الناس انهم شاركوا فيها بشكل او بآخر وانهم المعنيون بنتائجها.
ويقر الرئيس بن علي بأن هذه الاعمدة للحكم الديمقراطي الصالح القابل للمساءلة والمحاسبة هي اساس التنمية المستدامة والعادلة،وان اصلاح هذه المؤسسات هو المفتاح الذي يضع للفقر نهاية ويقود الى الرخاء.
فكلما زادت قوة الدولة على تحقيق التثقيف السياسي كلما حققت نجاحا مطلوبا للديمقراطية اذا استندت على خطط متوازنة ومتكاملة يمكن ان تكون الاساس لنجاح ثقافة سياسية متطورة.
الدور المباشر وغير المباشر للدولة ينبغي ان يستلزم وجود قوة ليس بمعنى السلطة والقهر وانما القدرة الفاعلة في التأثير في بنية ومكونات المجتمع وهذا ما يؤكد صحة فرضيتنا السابقة.
والديمقراطية لا تقوم فقط على القوانين، بل تقوم قبل كل شيء على مستوى ونوعية الثقافة السياسية وهذه الأخيرة لا يمكن ان تنشأ وتتبلور ما لم يكن هناك فهم وادراك للمجتمع السياسي بعملية البناء الديمقراطي وهنا تبرز قوة دور الدولة في تبصير وتنوير مكونات الشعب بأحقية مبدأ الديمقراطية ويتجسد ذلك باقامة المؤتمرات والندوات التثقيفية لزيادة الوعي ومستوى التثقيف السياسي لدى المواطن فضلا عن السماح للأحزاب والكيانات السياسية الأخرى لكي تدلي بدلوها في الحياة السياسية.
ومن جهة اخرى تضطلع الدولة بدور أساسي ومهم في نشر الديمقراطية والثقافة السياسية وهو تحقيق الوحدة في ظل الاختلاف.
ومن هذا المنطلق عمل الرئيس بن علي على ضمان قوة النظام الجمهوري وعزز أركانه فلم يتراجع بالتالي الاهتمام بالحراك الاجتماعي والتنافس على استقطاب شرائح المجتمع من قبل القوى السياسية والاجتماعية التي انخرطت في المشروع الحداثي للتغيير ويمكن القول ان تغيير السابع من نوفمبر 87 انجر عنه تغيير في ادوار الدولة، في ظل مناخ معتدل واكب هذه التحولات بروز نخب سياسية جديدة، ففي ضوء هذه التحولات اصبحت ممارسة السياسة نشاطا مشتركا بين اكثر من حزب او هيئة، لا تمثل فيه الدولة الا جزءا او مستوى من مستويات النسق ككل، الذي تتعدد وظائفه السياسية كما تتعقد وتتشابك فالمجتمع المدني ذاته يقع في قلب هذه القيم وهو يدعو الى الاندماج السياسي ضمن مؤسسات وطنية تقوم على العدالة والمساواة والديمقراطية الحقيقية.
تلك هي المعادلة الصحيحة في فكر الرئيس بن علي وبناء عليه فقد حدث ارتباط بين السياسة والمجتمع وتؤلف بين الفاعلين هدفه الدفاع عن منجزات التغيير هذه المنجزات الكفيلة بصون اجهزة الدولة وضمان تماسكها. ان المجتمع التونسي وفق هذا المنطق اصبح اكثر تعلقا بالنظام السياسي الجمهوري في اطار من الشراكة مع الدولة.
ان تطور الفكر الديمقراطي في استراتيجية الرئيس بن علي يقتضي وضع الضوابط الاساسية الكفيلة بصيانة ما تحقق من مشاريع والتوافق عليها وحولها والتصدي لمحاولات بعض القوى المعزولة التي تهدف الى الانقلاب على مختلف انجازات العهد الجمهوري (تحرير المرأة تطوير التعليم التنمية العادلة التعددية السياسية والفكرية).
فلا بد حينئذ من ادراك قيم الجمهورية وفهمها من اجل فهم علاقة الدولة بالمجتمع في تونس هذه العلاقة التي ساهمت في تحول الدولة ـ من جهاز سلطوي ـ الى فضاء ديمقراطي يساهم في تعويد المواطنين على ممارسة ادارة السلطة الى جانب منظومات واجهزة اخرى، تنتمي، هي كذلك، الى منظومة سياسية أعم وأشمل هي منظومة الجمهورية. فالدولة هي هيئة ضمن هيئات سياسية اخرى تمارس السلطة.
ان مفهوم المواطنة يشدد على وحدة النظام الاجتماعي المشكل من اتحاد حر لأفراد مستقلين عن كل اشكال التبعية، وتتحدد هوية المواطنين فقط بالرباط السياسي الذي يجمعهم اي التساوي بالحقوق أمام القانون... وهذا النموذج هو المثال الاعلى لدى الرئيس بن علي حيث المواطن مساو تماما للاخرين جميعهم، ويساهم معهم على قدم المساواة في تشكيل الارادة العامة.
وتسيطر في تونس اليوم رغبة جامحة في التواصل الثقافي، بإرادة تحترم الانسان. كما ان التمشي الديمقراطي للدولة يضع في المقام الاول الفرد الانسان وقدرته الشخصية على المبادرة والابداع مع التشبث بمعاني التضامن المجتمعي. ان ميزة الرئيس زين العابدين بن علي على انه يتعاطى مع الافراد بكثير من العمق الاجتماعي والانساني. ليستطيعوا ان يحققوا ذواتهم وان يتموضعوا في اطار هذا الافق الثقافي والتاريخي المنفتح ومن اجل ذلك فان الدولة يجب ان تشجع الافراد على المثابرة والابداع، لا سيما وان المعرفة اصبحت محركة الانتاج والنمو الاقتصادي كما اصبح التركيز على المعلومات والتكنولوجيا عنصرا من العناصر الاساسية في الاقتصاد الوطني كل مدعو الى المساهمة فيه بالقدر الممكن دون حواجز من اجل تحقيق التنمية المنشودة والقضاء على الفقر لان الفقر هو من اكثر المظاهر المعيقة للتطور الديمقراطي. هذا هو المدخل العقلاني الذي دخل منه الرئيس بن علي منذ تحول السابع من نوفمبر وهو مدخل اتسم بتوخي التأني والاتزان والانطلاق من التحليل الواقعي للعديد من القرارات والمشاريع بعيدا عن الارتجال والتسرع. ان الخروج من دائرة مركزية القرار واحتكار السلطة لا يتمان الا عبر تعزيز المؤسسات وتطوير ادائها واعطاء الفرصة الاكبر لقيام الاجهزة المختصة بادوارها الكاملة في الدولة بما يؤدي الى توسيع كبير في نطاق مشاركتها الفعلية في عملية صنع القرار السياسي والتنموي وهذا ما التزم به الرئيس زين العابدين بن علي وكرسه منذ تحول السابع من نوفمبر تعزيزا لأركان النظام الجمهوري الضامن الأساسي لاستقلال البلاد ومناعتها.
وفي هذا الاطار يمكن الاشارة الى ان الرئيس زين العابدين بن علي ادرك بشكل واضح أهمية الاتصال في حياة افراد الشعب التونسي وفئاته ومدى قدرة منظوماته على التعبير عن اتجاهاتها والمواقف التي تصدر عنها بحيث تتلاءم مع العادات الاجتماعية والقيم السائدة عند المتلقين بعد اقتناعهم بجدوى الرسالة المعرفية وأهميتها.
ولا شك ان فهم الرئيس بن علي لماهية الفعل الثقافي جعله يدعو الى بلورة العناصر البديلة من الافكار والقيم التي يتم نشرها في المجتمع عبر الوسائط الاتصالية. ويؤكد سيادته على أهمية البعد المعرفي من اجل استيعاب القضايا الاعلامية والثقافية المختلفة. اذ ان تنوع الفضاءات وتعدد العناصر الفاعلة في البناء الثقافي يدلان على قابلية بنى المجتمع للتطور والتغيير، مما يسمح له بالانفتاح على غيره من المجتمعات.
وهو العنصر الحاسم في طرح الرئيس بن علي الذي قاده الى البحث عن صيغ اكثر انفتاحا للثقافة التونسية، واختيار العوامل التي قد تؤدي الى الوحدة البنائية والوظيفية بين الفاعلين وتحقيق التكامل الثقافي. ويمكن للديمقراطية ان تكون محورا هاما من محاور هذا التكامل وفق نظرة جديدة تهدف الى حد من الاختلافات، والكف عن العوامل التي يمكن ان تؤدي الى انتشار المواد الثقافية بالشكل الذي نرغب فيه في اطار التوازن الثقافي المنطقي والاخلاقي.
يمكن ان يؤدي هذا النموذج المسطر في برامج الرئيس بن علي الى احداث اثار عميقة في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والى فتح آفاق جديدة أمام الافراد للابداع، ولن يكون التجاوب مع هذا النموذج مجرد انفعالات طارئة، وانما هو وليد ارتباط عميق في اطار نسق منتظم وتوجهات هادفة توافر فيها عنصر التعاقد والرضا.
واعتبارا الى ان الرهانات الثقافية متلائمة مع المتطلبات الاجتماعية فقد تم العمل على اعادة التوازن في الاجزاء الثقافية المختلفة على أساس المبادئ الاخلاقية والعقدية والانسانية، وان هذا التمشي الثقافي خلق مجالات اوسع للمشاركة من اجل تأصيلها في واقعها الاجتماعي والعمل على اخراج العبقريات من حالة المختبرية والافتراضية.
فالقضية اذن تتمثل في خلق عناصر فاعلة في صياغة المشروع الثقافي التونسي شريطة ان ترتبط هذه العناصر ارتباطا متينا بالمعرفة المستنيرة والايجابية.
في ما يخص المبدأ والمرتكز الاساسي لتحقيق هذا المشروع، فهو يستدعي وفق توجهات الرئيس بن علي تحويل المتخيل الى ممكن كما يستوجب التأكيد على حاجة اجهزة المجتمع المختلفة الى التفاعل المنطقي والجدلي مع المجال المعرفي والفكري مع الحرص على ابعاد المخاوف والهواجس والتأكيد على ان نمط الثقافة الذي يصاغ الان في تونس يندرج في سياق مجتمعي عميق وانساني في اهدافه، وليس اداة فعل سياسي دعائي وظرفي، ولذلك يراهن الرئيس بن علي دائما على التماسك والتفاهم والتقارب بين وجهات النظر. فمن خلال هذه السمات العامة التي تميز الافراد يتم التأكيد على أهمية المعرفة في تشكيل ملامح الدولة وتقوية النزعة الانسانية داخلها وفي اطارها.
ويجب ان نضيف الى ذلك حقيقة اخرى وهي ان البرهان على مثل هذا التغير الثقافي يجب ان يكون امرا مهما دقيقا، لكن لا بد لاتمامه من المشاركة الثقافية فبقدر ما تتعمق المشاركة يتشرب الافراد مبادىء الثقافة العقلانية، وانطلاقا من عمق القضايا الثقافية والفكرية التي طرحت في تونس طيلة عقدين من الزمن نستطيع ان نقول ان الاطار السياسي بات يسمح اكثر من اي وقت مضى بممارسة الفعل الثقافي النقدي والمساهمة الفعلية في صياغة الرؤية المستقبلية في مجال الثقافة دون وصاية او اقصاء.
وقد اعيد النظر في مكانة المؤسسات الثقافية وتم النظر اليها على انها ليست فضاءات بيروقراطية تعمل بواسطة الطرائق التقليدية، في اطار من الجمود وعدم القدرة على التطور، بل تحول دورها الاساسي الى عامل مهم لتيسير الارتباط بين الدولة والمجتمع المدني، على أساس السمات والخصائص العامة لكل عنصر من العناصر الفاعلة.
ما الذي يجعل امكانية بناء نموذج عقلاني في مستوى الفعل الثقافي المستقبلي في تونس موضوعية؟ لقد تحدد منذ السابع من نوفمبر المجرى التاريخي والحقيقي للثقافة فتيسرت امكانية بناء مثل هذا النموذج. اذ ان افتراضاتها ترتكز على معرفتنا الدقيقة بالاتجاه العام لسياسة الدولة ورهاناتها. وهذا ما يتجلى واضحا في هذه المرحلة الجديدة من تاريخ تونس الحافل بالانجازات.
وهنا تأتي الحاجة الى الانصات الى الاخرين وتعلم مبادىء الحوار وقبول الفكر المختلف، وهي أهم مكونات التسامح. ولا يمكن فصل التسامح عن الديمقراطية فهما متكاملان منسجمان. ففي التسامح يكمن السلوك الديمقراطي. ولكي تتحقق الاهداف الديمقراطية التي تم ارساؤها في تونس منذ التحول، يقع اليوم تعميق ثقافة التسامح وتكريسها عبر عديد الاليات ومنها المدرسة فالرئيس بن علي يدعو الى تسامح فاعل ايجابي اساسه التعرف الى الاخر ومعرفة خصوصياته والتعمق في ثقافته ليسهل التواصل معه دون ذوبان ان انسلاخ او اغتراب، ونحن مطالبون بتقديم هذه المعاني الى الناشئة في المدارس بصفة مسترسلة من خلال البرامج المدرسية وعبر وسائل الاعلام المختلفة والمتنوعة وداخل العائلة.
ان الديمقراطية في أدق معانيها اوضحها لا تعني فقط المشاركة السياسية والتعددية الحزبية بقدر ما تهم كل المؤسسات وكل التنظيمات سياسية، اجتماعية او نقابية، فلا يمكن تحقيق التنمية السياسية من قبل الاحزاب السياسية في غياب الفهم العلمي الصحيح للديمقراطية لدى نخب واطارات هذه الاحزاب. وان تحقيق الديمقراطية، يعني اعداد مواطن حر مستقل ممتثل للقانون الذي يساهم في صياغته، ان الامتثال للقانون الذي ألزمنا انفسنا به هو منطلق الديمقراطية والفعل السياسي العقلاني والمشاركة في الحكم التي يدعو اليها الرئيس زين العابدين بن علي وهذا الامر يؤدي بالضرورة الى التخلي عن الفهم الساذج للديمقراطية الذي تتبناه بعض الجماعات السياسية غير الناضجة هذه الجماعات التي اختارت طريق الاثارة الايديولوجية والتهريج ونشر الاكاذيب طريقا لها في عملها السياسي.
والواقع ان القراءة العلمية لمختلف المستويات الثقافية والانتروبولوجية التي تتشكل في كيان المجتمع تقودنا الى تفكيك المفاهيم الكبرى الى عناصر ووحدات فرعية في سياق منهج اليات سوسيو ثقافي مرن، واذا اردنا أن نفهم اليات اشتغال المجتمع التونسي اليوم علينا الاعتماد على مفهوم التعاقد الاجتماعي. ويمكن ان نلاحظ ان هذا المفهوم ينطوي على وحدات مكملة لا تقل اهمية لكنها لكنه لصيقة به ولا تنفصل عنه مثل التسامح او التضامن او الحرية ويمكن لهذه العناصر ان تعكس دينامية الحقل الثقافي التونسي وعمق مكوناته كما تبرز مدى كفاءة وفاعلية الفاعلين الاجتماعيين والثقافيين خاصة وان البنية الاجتماعية التي تتصل بالمجال الثقافي قد تكون في بعض الاجيال اكثر تعقيدا مما نتصور.
تونسي مقيم بايطاليا
رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بإيطاليا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق